دستور العشيرة الإخوانية

11-640

محمد أبي سمرا

ملحق جريدة النهار في 22-12-2012

هل هذه ثورة ثانية في مصر، بعدما ظهر جلياً أن دافع “الإخوان المسلمين” الى الالتحاق المتأخر بركب الثورة الاولى هو تعطشهم المديد الى السلطة والرئاسة الأهلية والعشائرية؟ هل انطلقت في مصر الثورة الدستورية التي تحرر السياسة من تحويل الانتخابات قناعاً للتسلط، كما تحرر المعارضة من كونها غنيمة حرب؟ ربما تكون معركة الإعلان الدستوري في مصر محطة بارزة في الانكشاف المتسارع لتيارات الاسلام السياسي ومسيرتها نحو هاوية الفراغ والإفلاس.

قبل أيام من إذاعة الرئيس المصري محمد مرسي إعلانه الدستوري، ظهرت على صفحات مدوّنين وناشطين مصريين في الـ”فايسبوك” رسائل تتوقع حدوث أمر سياسي ما تحضّر له جماعة “الإخوان المسلمين” وحزبها “الحرية والعدالة”. فقد تواردت الى المدوّنين والناشطين معلومات مصدرها أصدقاؤهم ومعارفهم من الإسلاميين، تفيد بأن قيادة الجماعة والحزب المذكورين وزّعت على محازبيها وأنصارها تعاميم تضعهم في حال من الاستنفار، من دون الإفصاح عن هدفه ودواعيه. لكن الأيام التالية سرعان ما تكشفت عن دواعي الاستنفار: إصدار الرئيس مرسي إعلانه الدستوري الذي هبّت قوى وتيارات الحركة الشعبية المدنية الديموقراطية المصرية وأحزابها، وكذلك الصحافيون والقضاة، الى رفضه والى الاحتجاج والتظاهر حتى إسقاطه، لأنه يجمع سلطات الدولة، التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويحصرها في يد حاكم فرد هو رئيس الجمهورية، ربيب جماعة “الإخوان المسلمين” وحزبها. ما إن بدأت القوى والتيارات المدنية باحتجاجاتها وتظاهراتها، حتى ظهرت جليةً غاية الاستنفار المسبق شبه السري الذي عمّمته قيادة “الإخوان” وحزبها على محازبيها وأنصارها: تسيير تظاهرات مؤيدة للرئيس وإعلانه، والتصدي للمحتجّين المعارضين في الشوارع.
عودة المكبوت السياسي
استهلت جماعات المؤيدين نشاطها بالاحتشاد أمام القصر الجمهوري الرئاسي، فأطل الرئيس من القصر خطيباً في الحشد، مؤكداً في سلوكه هذا أنه يستمد قوته وسلطاته وشرعيته من مؤيديه وحدهم، وليس من عموم الشعب، ولا من موقعه الرئاسي الذي يضعه فوق الجماعات والتيارات السياسية المتعارضة والمتنازعة. كأن الرئاسة الدستورية في هذه الحال موقع لجماعة تستقوي به على سواها من الجماعات الأخرى. وهذا ما لم تعرفه مصر الدولة والشعب في العهود الديكتاتورية، الناصرية والساداتية والمباركية، التي تسلطت على الدولة والمجتمع والشعب بقوة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والبيروقراطية. وهي عهود تأميم السياسة وإلغائها، وتشريع أبواب المحاكم والسجون العسكرية لكل من يتجرأ على اقتراف أي قول أو فعل سياسي. هكذا عاش الشعب المصري عقوداً طويلة في حال من الركود والاستنقاع والاقصاء والتذرر في حياته الاجتماعية، ضاعفها إغراقه في الفقر والإفقار الاقتصاديين، وفي “المساواة” بامتناع السياسة التي احتكرتها واحترفتها نخبة عسكرية وأمنية ديكتاتورية أمعنت في فسادٍ إداري ومالي واقتصادي عميم في عهود حسني مبارك المديدة. الحق أن العهد الناصري (1952 – 1970) هو الذي أوقف، بالانقلاب العسكري، الصراع السياسي في المجتمع المصري ما بين التيارين الأعرض والأكبر في مصر، التيار الإسلاموي الإخواني والتيار المدني، اللذين حرّرتهما “ثورة 25 يناير” 2011. كأن هذه الثورة أعادت مصر الى عشايا انقلاب “الضباط الاحرار”، بعد ستة عقود من تغييب السياسة ومنعها، فإذا بذلك المكبوت السياسي يطفو مجدداً ويطغى على المشهد العام في مصر الثورة الراهنة التي لم يقفز “الاخوان المسلمون” الى ميدانها والاستيلاء عليها، الا بعدما ايقنوا أن المجموعات الشبابية المدنية الجديدة موشكة على انجاز ثورة شعبية عارمة خاطفة وغير مسبوقة في اقترابها من اسقاط النظام الديكتاتوري المديد.

الرئاسة غنيمة حربية

وكان ان استطاع “الاخوان المسلمون” بالمراوغة والمكر والخداع – وهي اقانيم تربيتهم السياسية في العهود الديكتاتورية –خوض الانتخابات وايصال رئيس للجمهورية منهم، ما إن استتب له الامر في القصر الرئاسي حتى خوّل نفسه اصدار اعلان دستوري يختصر الدولة والسلطات في شخصه، بلا حسيب ولا رقيب. كأن المصريين الذين ثاروا على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، المخلوع مع رهطه، كان هدفهم الاول والاخير تنصيب رئيس آخر يجدد شباب الديكتاتورية ويؤسس عصبية عشائرية حاكمة غير مسبوقة في مصر. هكذا ظهر جلياً ان دافع “الاخوان المسلمين” الى الالتحاق المتأخر بركب الثورة المدنية الديموقراطية، هو تعطشهم العميق والمديد الى السلطة والرئاسة في المعنى الاهلي والعشائري المقنَّع بالعملية الدستورية والانتخابية. اما الحرية والسياسة في معناها المدني الديموقراطي – وهما الدافع الاصلي والاولي للثورة المصرية – فليسا في مذهب العشيرة الاخوانية والرئيس المنتخب، سوى الطريق الى السلطة. والمذهب هذا انقلابي، ويتوسل بالانتخابات وصناديق الاقتراع محطة شكلية عابرة وحفلة تنكرية تُرمى اقنعتها جانباً، فور وصول الرئيس المنتخب الى سدة الرئاسة وقصرها الجمهوري، حيث يصير الرئيس في حلٍّ من تمثيل الارادة الشعبية الديموقراطية والدستورية الجامعة، معتبراً ان تلك الارادة ليست سوى رأسمال احتكاري يستطيع التصرف به وتوظيفه بحسب مشيئته ومشيئة جماعته، لعزل من لم ينتخبوه، بل لإنزال القصاص بهم والثأر منهم اذا لم يرضخوا لسلطانه. في هذا السياق كتبت الناشطة المصرية البارزة هالة جلال غداة التظاهرات المؤيدة والمناوئة للاعلان الدستوري، ان مصر “انقسمت والاخوان المسلمين والرئيس هم المسؤولون(…) وان الدساتير تُكتب في العالم كله لحماية الضعفاء والاقليات(…) وان الفوز في الانتخابات لا يجعل المعارضين غنائم حرب”. ظهر جلياً في سلوك الرئيس المنتخب و”اخوانه” حيال الحركة الاحتجاجية الشعبية المدنية ان الديموقراطية في مذهبهم السياسي اقرب الى اجراء حربي سلاحه الانتخابات وهدفه انفاذ ارادة العصبية الحاكمة وسلطانها في الدولة والشعب الذي لا حضور له في المخيلة السياسية “الاخوانية”، الا بوصفه رعية يجب عليها تقديم شعائر الولاء والطاعة للرئيس الحاكم وسلطانه الواحد. وهذا يعني ان على الشعب المصري كله ان يصير “اخوانياً” وعلى مذهب الرئيس قبل انتخابه. اما من ليس على هذا المذهب فعليه ان يصمت ويستكين ويعتزل السياسة، كي لا يُفسد على الرئيس رئاسته، والا فإنه غير ديموقراطي وخرج على الثورة التي أوصلت “الاخواني” محمد مرسي الى سدة الرئاسة. ومذ اذاع مرسي اعلانه “اللادستوري” في رؤية معارضيه، لم تتوقف جماعته “الاخوانية” وألسنتها الكثيرة عن وصم المعارضين المحتجّين بالتآمر والعمالة. هكذا تحولت جماعة “الاخوان المسلمين” وذراعها السياسية، “حزب الحرية والعدالة”، حزباً للسلطة الحاكمة في مواجهة الحركة الاحتجاجية المدنية على الدستور والاعلان الدستوري الإخوانيين.

madana-640

التعذيب وشراء الشهداء

بعدما تصدى محازبون لجماعة “الإخوان المسلمين” للمحتجين المتظاهرين في شوارع عدد من مدن المحافظات المصرية، احتشد المتظاهرون أمام مقار “الإخوان” الحزبية التي تحميها قوات من الشرطة، فحصلت مجابهات أدت الى سقوط جرحى، مما حمل المحتجين على مهاجمة مقار “الإخوان” وحرقها، على غرار ما فعل ثوار “25 يناير” قبل سنتين بمقار “الحزب الوطني” الحاكم ومقار الأمن المركزي آنذاك. في مدينة السويس عثر المحتجون في مقر “حزب الحرية والعدالة” على مئات من طلبات أعضائه الموعودين بالحصول على وظائف إدارية في شركة قناة السويس. كما عثروا أيضاً على مئات من الطلبات المماثلة للحصول على وحدات سكنية تمولها الحكومة، ناهيك بمئات أخرى من طلبات الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية. تكرر المشهد نفسه في كثير من مدن المحافظات المصرية، مما حمل المتظاهرين على تصوير نماذج من هذه الطلبات وبثها على الشبكة العنكبوتية لإظهار السياسات الإدارية التي يتبعها الحزب الحاكم الجديد الذي حوّل مقاره مكاتب رديفة أو خلفية للوزارات الحكومية المخولة تلقي طلبات التوظيف في إدارات الدولة. هذا يعني أن حزب الرئيس يسعى الى أن يكون دولة داخل الدولة وأجهزتها الإدارية البيروقراطية.
الحق أن “حزب الحرية والعدالة” لم يتستر على هذا الإجراء، بل هو اعتمده خطة معلنة سمّاها “تمكين” أجهزة الدولة وتفعيل مفاصلها، على ما صرّح القيادي “الإخواني” حسن أبو الفتوح، ربيب خيرت الشاطر الذي قال أيضاً إن الخطة هذه ليست بنت ساعتها، بل وُضعت في التداول منذ نهايات تسعينات القرن العشرين.
الصدامات المتكررة بين المؤيدين والرافضين للإعلان الدستوري، وسَّعت دوائر الرافضين واحتجاجاتهم وتظاهراتهم، وصولا الى التظاهرة المليونية التي احتشدت حول قصر الاتحادية الرئاسي، حيث نُصبت خيم الاعتصام لإسقاط الإعلان الدستوري. في النهار التالي هجمت حشود من “الإخوان المسلمين” على المعتصمين واقتلعت خيمهم ونكلت بهم واعتقلتهم في مسجد قريب، بعد سقوط عدد من القتلى ومئات من الجرحى في معارك كرّ وفر بين الطرفين. كاميرات المعتقلين في المسجد استطاعت تصوير وقائع التعذيب والتحقيق التي اتبعها محازبو “الإخوان”، فأظهرت الأشرطة المصورة القاعة الداخلية للمسجد في هيئة مسلخ بشري: أجسام مدمَّاة منطرحة أرضاً أو مستندة الى الجدران في حال أقرب الى الإغماء او الغشيان، يخضع أصحابها الى الإستجواب.
رجل ملتح يرتدي بذلة وربطة عنق يصرخ قائلاً لرجل مدمّىً تكسو وجهه الرضوض: قل من أعطاك الفلوس، إعترف منين الفلوس؟! في مشهد آخر، عشرات الأجسام المدماة والمهشمة في حال من التلاشي. الشريط نفسه بثّته قناة تلفزيونية مصرية معارضة، تتخلله مقتطفات من شهادة داعية سلفي ظهر على قناة تلفزيونية سلفية، معلناً أن مقذوفات الخرطوش الفارغة التي يعرضها على المشاهدين، كانت في خيم المعتصمين حول قصر الاتحادية الرئاسي، والى جانبها زجاجات خمرة وعدد من مظاريف الواقي الذكري.
في شريط آخر يظهر الديبلوماسي المصري يحيى نجم ممتلئ الوجه بالندوب، وهو يروي وقائع اعتقاله وتعذيبه في المسجد قرب قصر الاتحادية. قال نجم إنه استقال من منصبه في البعثة الديبلوماسية المصرية في فنزويلا العام 2005، احتجاجاً على سياسات النظام السابق وعلى الفساد في وزارة الخارجية، فجرى حرمانه من جواز سفره ومن العودة الى مصر، حتى غداة الثورة في 2011. وبما انه كان بين المعتصمين حول القصر، جرى اعتقاله وتعذيبه في المسجد – المسلخ البشري إياه. الداعية السلفي في مطالعته التلفزيونية قال متباهياً: الإخوة أمسكوا 32 شخصاً حول القصر بينهم واحد ديبلوماسي، معتبراً ان صفة ديبلوماسي شيطانية الوقع، فيما هو يقول: مأجور، مرتشٍ، عميل لأميركا، عدو للدين والشريعة.
في النهار الذي تلى الهجوم على المعتصمين، شيّع “الإخوان المسلمون” من جامعة الأزهر، ما زعموا إنهم شهداؤهم في الصدامات حول قصر الاتحادية. كان عدد الشهداء بحسبهم ثلاثة: أحدهم جلبوا جثته من محافظة الشرقية (يقول الناشطون المدنيون إن انتماءه الى “الإخوان” غير مؤكد)، والثاني أعلن “حزب الحرية والعدالة” إسمه، فإذا الاسم لشاب على قيد الحياة، بثَّ الناشطون المدنيون صوراً له يعانق والده منتحبين في ميدان التحرير. أما الشهيد “الإخواني” الثالث، فأعلن وزير الإعلام صلاح عبد المقصود أنه الصحافي الحسيني ابو ضيف الذي أصيب بطلق ناري في رأسه اثناء تغطيته الصدامات قرب قصر الاتحادية، فنقله اصدقاؤه الى المستشفى، حيث مكث في حال الغيبوبة الكاملة، وقال الاطباء إنه ميت عيادياً وما لبث ان شُيِّع الى مثواه الاخير نهار الاربعاء 12 كانون الأول الجاري. المعروف ان ابو ضيف صحافي مناهض لسياسة “الإخوان”، ويعمل على تغطية شؤون الجماعات الاسلامية في مجلة “روز اليوسف”. وكان التحقيق الذي كتبه أخيراً يتناول تخلية سبيل شقيق زوجة الرئيس محمد مرسي، المتهم والموقوف في قضايا اختلاسات مالية. أما وزير الإعلام الذي يعرف ابو ضيف معرفة شخصية في نقابة الصحافيين، فذهب الى المستشفى الذي يرقد فيه الصحافي، وصرح بأنه كان واقفاً وسط حشود “الإخوان” قرب القصر، حين اصيب بطلق ناري وقتل.
ويبدو ان “الإخوان” ذهبوا بعيداً في تكثير شهدائهم المزعومين. جماعة منهم عرضت على ذوي فتى يدعى محمد محمد السنوسي قتل قرب قصر الاتحادية، أن يصرحوا بأن ابنهم ينتمي إلى “حزب الحرية والعدالة” لقاء منحهم مبلغاً من المال، فرفض أهل الفتى القتيل هذه المقايضة. وحين هددهم المقايضون “الإخوان”، لجأ أهل الفتى الى تقديم شكوى قضائية بمساعدة ناشطين مدنيين، صوّروا شهادة الأهل وبثّوها على الشبكة العنكبوتية الى جانب صورة شاب معصوب الأذن يدعى محمد سيد، وروى ان محازباً “إخوانياً” هجم عليه في “موقعة الاتحادية”، فعضَّ أذنه والتهمها. أما القاضي الذي سلّمه “الإخوان” عشرات من الشبان كي يحقق معهم بوصفهم متهمين بالهجوم على المتظاهرين والاعتداء عليهم، فكتب
مطالعة قضائية تفيد بأن الشبان عُذّبوا بعد اعتقالهم، وأخلي سبيلهم. النائب العام الجديد الذي عيّنه الرئيس مرسي بعد عزله النائب العام السابق وفقاً للإعلان الدستوري، أبعد القاضي الذي أطلق الشبان، ونقله من القاهرة إلى مدينة نائية في إحدى المحافظات.

IMG_2627-640

لكل حيّ دستوره وإعاشته

في خضم التظاهرات الاحتجاجية قام حزب “الحرية والعدالة” بحملة دعائية للدستور والاستفتاء عليه، فوزّع في الأحياء السكنية منشورات تحوي بنوداً من الدستور الجديد تختلف من حيّ إلى آخر، بما يتلاءم مع تطلعات سكان الأحياء وميولهم، حسبما يفترض الموزعون الذين يدعون الأهالي إلى التصويت بنعم في الاستفتاء الدستوري ضد “دستور العلمانيين الكفرة” على ما يرد في المنشورات. هذا يعني ان “الاخوان” يقومون بعملية خداع الأهالي، وتحويل الدستور بياناً سياسياً دعائياً خالصاً في مكره وتلاعبه بمشاعر المواطنين وأمزجتهم. العملية هذه تبلغ الذروة في كشفها عن السلوك “الاخواني” السياسي المديد والانتخابي الراهن: تجزئة بنود الدستور، وتوزيعها بالمفرّق، كالإعاشة على المحتاجين، كأنما لكل حي أو جماعة دستور خاص يختلف عن دستور الحيّ الآخر والجماعة الأخرى. والمعروف ان الحزب “الاخواني” يمد شبكاته في المساجد والجمعيات الأهلية والعائلية في الأحياء والمناطق. وتركز الحملة الدعائية على العناوين الآتية: قل نعم للدستور لأنه يمهّد الطريق لتطبيق الشريعة، يحافظ على هوية مصر، يرسّخ مبدأ الشورى. أما أشهر عبارة أطلقها الرئيس مرسي في برنامجه السياسي: نحن نواجه مؤامرة من الداخل والخارج. لذا – اضاف قائلاً للمصريين في سياق آخر: بطلوا تسهروا أدام الأقنية التلفزيونية، ناموا بدري علشان تصحوا بدري وتصلّوا الفجر، وتشتغلو كويس.
في المقابل كان عنوان حملة السلفيين الدعائية في شوارع القاهرة وسواها من المدن: نعم للدستور بالزيت والسكر. وهذا هو الشعار الذي وضعه السلفيون على شاحنات صغيرة جابت الأحياء محملة الزيت والسكّر وسواهما من المواد الغذائية، رشوة للناس ليكون لهم دستوراً مغذياً ومفيداً، على غرار حملة “شكراً قطر” في لبنان ما بعد “حرب الوعد الصادق” المدمرة و”نصرها الإلهي” الميمون.
من تونس الى مصر، وصولاً إلى لبنان، يتسارع انكشاف السلوك الرعاعي لتيارات الاسلام السياسي. وقد تكون معركة الاعلان الدستوري في مصر المحطة الأبرز في هذا الانكشاف المتسارع نحو هاوية الفراغ والافلاس. فما كان يتوقع ناشطون مدنيون مصريون حدوثه في سنتين أو ثلاث بعد انتخاب محمد مرسي رئيساً، حدث بعد أشهر قليلة من انتخابه. لكن هل تتمكن
الحركة المدنية المصرية من مراكمة خبرات تجاربها في هذا المخاض الكبير المتسارع؟ فإذا كانت تونس قد افتتحت موسم “الربيع العربي”، فهل تفتتح مصر تقديم مثال لربيع الحركة المدنية الديموقراطية التي تُخرج الثورات العربية من قبضة الاسلام السياسي الخانقة إلى رحاب الحرية السياسية الدستورية؟

أضف تعليق