Archive for the ‘أقباط’ Category

شهادات عن تظاهرة ماسبيرو الاخيرة في القاهرة: الجيش دهس طلائع المتظاهرين بمصفحاته وأطلق النار على الحشود

أكتوبر 16, 2011

 

محمد ابي سمرا

جريدة النهار في 16-10-2011

 

 

 

تنقل هذه المتابعة بعضاً من شهادات فتيات مصريات ناشطات، شاركن في تظاهرة “ماسبيرو” الاخيرة نهار الاحد 9 تشرين الاول الجاري، اضافة الى بعض من معمعمة التعليقات التي تتناول الحوادث المصرية المتسارعة منذ ما بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

لبنى درويش، ناشطة مصرية الخامسة والعشرين من عمرها، شاركت في تظاهرات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وملحقاتها. اخيراً، كغيرها من مصريات كثيرات ومصريين كثيرين، كتبت على صفحتها في “فايسبوك” شهادة تفصيلية موسعة عن مشاركتها في التظاهرة الاحتجاجية على الاعتداء على الكنائس القبطية، التي انطلقت من محلة شبرا ذات الغالبية السكنية القبطية في القاهرة، وتوجهت الى وسط العاصمة المصرية للاعتصام امام مبنى الاذاعة والتلفزيون (ماسبيرو). وما يلفت متصفح صفحات “فيسبوك” ان من كتبوا شهاداتهم عن التظاهرة هذه، معظمهم من الفتيات المسلمات الناشطات اللواتي تكثر بينهن المحجبات.

من وقائع المقتلة

في واحدة من الشهادات، كتبت الناشطة شيماء يحيى انها لجأت مع كثير من المتظاهرين والمتظاهرات الى مبنى فندق رمسيس هيلتون القريب من “ماسبيرو”، هاربين من اطلاق الجيش النار على الحشود، ودهسه طلائع المتظاهرين بمصفحاته، وكان بين الهاربين اللاجئين الى الفندق الفخم عائلات مسيحية مع اطفالها. وروت شيماء ان امرأة من هذه العائلات، رجتها ان تسير معها في الشارع، وسط اولادها وزوجها، بعد خروجهم من الفندق في الساعة التاسعة والنصف مساء، عقب المقتلة التي ألمّت بالمتظاهرين. ومما قالته المرأة القبطية للناشطة شيماء: “خليكي معانا، اذا عرفوكِ مسلمة محجبة لا يضربونا”. وروت ناشطة ثالثة، محجبة ايضا، انها صادفت في احد الشوارع القريبة من “ماسبيرو” امرأة تصرخ معولة الى جانب زوجها الملقى على الرصيف، يشخر ملطخ الجسم بالدماء. وحين وصلت سيارة اسعاف لنقل الزوج، وجد المسعفون انه فارق الحياة، فتركوه لضرورة اسعاف الجرحى، فساعدت الناشطة المرأة في نقل جثة زوجها الى مدخل احدى البنايات.
في شهادتها المفصلة ذكرت لبنى درويش ان مسلمين كثيرين من سكان شبرا شاركوا في التظاهرة – المسيرة، بعدما دعاها هاتفياً، شاب قبطي يدعى عادل، كانت تعرفت اليه في تظاهرات سابقة في ميدان التحرير، فلبت دعوته، وقامت بتصوير التظاهرة في سيرها من شبرا الى “ماسبيرو”، ثم كتبت شهادتها التي، لدقتها وحيويتها الوصفية، تناقلتها مواقع الكترونية كثيرة، فضلاً عن صفحات “فيسبوك”. قدرت لبنى عدد المتظاهرين الذين انطلقوا من شبرا بـ25 الف شخص، بينهم جمهور واسع من العائلات القبطية، نساء ورجالا واطفالاً ومن اعمار متباينة، وراحت اعدادهم تتزايد في الطريق الى “ماسبيرو”. وقد رُشقت التظاهرة بـ”الطوب والزجاجات الفارغة” مرتين، الاولى “تحت جسر حلمي” والثانية قبيل وصولها قريبا من فندق رمسيس هيلتون. وتطلق لبنى صفة “البلطجية” على من قاموا برشق المتظاهرين. و”تحت كوبري الجلاء، كانت الروح المعنوية للمسيرة عظيمة، وغالبية الهتافات ذات الطابع الديني، اختفت، وكنت سعيدة بذلك، لكنني كنت خائفة وقلقانة، فالتظاهرة مليئة بالعجزة والأطفال، وكنا نهتف: يسقط يسقط حكم العسكر، إحنا الشعب الخط الاحمر. ومصر لكل المصريين، من اي ملة وأي دين. والكنيسة اتحرقت ليه؟! والعادلي راجع ولا إيه؟!”. وهذا قبيل أن تصف لبنى مقتلة الدهس وإطلاق النار، وتنهي شهادتها بما بثه التلفزيون المصري الرسمي من “تحريض ديني” ضد المتظاهرين، حينما دعا المصريين (المسلمين ضمناً) لنجدة جيشهم “الوطني” الذي “حمى الثورة والثوار” طوال ثورة 25 يناير (كانون الثاني). فالتلفزيون، مساء الاحد 9 تشرين الأول الجاري، أثناء إطلاق الجيش النار على المتظاهرين ودهسهم بمدرعاته، أخذ يبث بلسان المذيعة رشا مجدي، نداءات لنجدة الجيش الذي يتعرض لإطلاق النار من “فئة من المصرين” (الأقباط ضمناً). وذكرت المذيعة التلفزيونية التي بثت النداء، أن “ثلاثة جنود قتلوا”، وتبين لاحقاً أن الخبر هذا مختلق وعارٍ من الصحة. أما لبنى درويش وغيرها من أصحاب الشهادات، فرووا أن الأهالي الذين اندفعوا من بعض الأحباء لنجدة الجيش في “ما سبيرو”، أخذوا يتساءلون “أين الأقباط الذين يهاجمون الجيش بالسلاح؟!”، وذلك عندما لم يجدوا في الشوارع سوى الناس الهلعين، والكثير من الجرحى وجثث القتلى المسحولة.

معمعة مصرية وتكتم قبطي

يُجمع المصريون وغير المصريين المتتبعين لسلسلة الحوادث المصرية اليوم والمنخرطين فيها وفي مناقشتها، على أن مصر تعيش في معمعة هائلة من الاضطرابات والانقسامات والمعضلات المتناسلة والمرهقة، لا تنفصل عن معمعة أخرى من الأخبار والتعليقات والآراء المتعلقة بسلسلة هذه الحوادث اليومية المتدافعة. وبلغت المعمعة الضخمة المزدوجة هذه حدودها القصوى اللامعقولة مع تظاهرة الأحد 9 تشرين الأول، الاخيرة. فإحدى الناشطات كتبت على صفحتها في “فيسبوك” نموذجاً تهكمياً على ما يبثه الإعلام المصري الرسمي من أخبار، من أنه “تم تسجيل 3 حالات وفاة في صفوف الجيش، فجرى نقل (الجنود المتوفين) الى المستشفى، (حيث) تلقوا العلاج وتحسنت حالهم”. وختمت الناشطة خبرها هذا بالدعاء: “ألف سلامة ليكم يا أبطال”. وفي مكالمة هاتفية أجريتها مع الصديق المصري القاهري، هاني درويش، سألته عن تعليقات مصريين سمعتها في برنامج “نقطة حوار” على إذاعة (B.B.C) اللندنية، أوحت لي بأن كثيرين من المعلقين على حوادث التظاهرة الاخيرة، يعتبرون ان الاقباط شقوا عصا الطاعة ضد الجيش الذي حمى الثورة المصرية، ويشجبون خروجهم في تظاهرات احتجاجية خدمة لمؤامرات اجنبية، فقال هاني إن الأقباط، في وجه من وجوه الوعي العامي للمصريين المسلمين، هم من “مخلفات الانكليز والاستعمار البريطاني”. هذا فيما كان بعض المشاركين من “الإخوان المسلمين” في برنامج “نقطة حوار” الإذاعي، يطلبون من الأقباط “الصبر والتروي والانتظار” حتى نهاية المرحلة الانتقالية وحصول الانتخابات العامة، مهونين عليهم ما حدث في تظاهرة ماسبيرو، وإلا فإن ما أقدموا عليه سيؤدي الى “إحراق الوطن، ومن دون أن يطالب هؤلاء “الإخوانيين” المجلس العسكري المصري في شيء. وتعليقاً على البيان الرسمي الذي أصدره “الاخوان المسلمون” في شأن ما حدث في التظاهرة الأخيرة، ذكر أحد المعلقين الصحافيين المصريين أن قارئ البيان “الإخواني”، “لا يعلم مَن ضرب مَن في التظاهرة، ومَن أطلق النار ومَن قتل، وما هو الموضوع – الحادثة، وما هو الموقف منه، ومن يتوجب عليه التوقف عن العنف”. وأشار المعلق ايضاً الى استهجانه قلة ظهور مشاعر التعاطف مع الضحايا الأقباط، فيما كتب لبناني مقيم في القاهرة على صفحته في “فايسبوك”: “اليوم، أنا مواطن قبطي في مصر، ومواطن حرّ في سوريا، ومن شهداء ثورة الأرز في لبنان، وأنا من المعارضة المدنية في كل بلد عربي”. وروت شابة لبنانية طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة، منذ أشهر، أن ما فاجأها في إقامتها المصرية، وفي احتكاكها ببعض المصريين والمصريات، هو قلة تعرضهم لاختبارات حياتية وذهنية وشعورية لا تنطلق من اعتبار الإسلام والهوية الاسلامية، ليسا الناظم الوحيد للعالم وحياة البشر. ولاحظت الشابة اللبنانية ايضاً أن من التقت بهم وتعرفت اليهم من الأقباط، غالباً ما يخفون “هويتهم” الدينية، ويحاذرون التعبير عن مشاعرهم الخاصة، إلا في دوائر ضيقة وخاصة. ومن تجاربها في هذا السياق روت أن شابة مسلمة من زميلاتها في الجامعة، تتكتم على علاقتها العاطفية بطالب قبطي، وتحاذر أن تنكشف هذه العلاقة بينهما. وغالباً ما يتلفت زملاؤها وزميلاتها الأقباط، ويخفضون أصواتهم، فيما هم يتحادثون في المقاهي، إذا رغبوا في الكلام والتعبير عن آرائهم الفعلية في الحوادث التي تحصل يومياً في مصر.

تكتيك امتصاص الصدمات

من جملة التعليقات التي يصعب إحصاؤها على التظاهرة الأخيرة، كتبت إحدى الناشطات متهكمة: “مطالب الأقباط فئوية، ومطالب المسلمين وطنية”. وفي تعليق آخر كتب وفيق ناصر متسائلاً: “ماذا يفعل الجيش المصري الذي يتعرض، منذ ما بعد ثورة 25 يناير، الى مطالب سياسية كاسحة؟”، فهو يتهرب من “المواجهة المباشرة، ويتبع تكتيك امتصاص الصدمات، منذ خلع الرئيس حسني مبارك”. ووسيلته الدائمة في امتصاص الصدمات، هي “الايقاع ما بين فئات الشعب المصري”، وصولاً الى انهاكها وتيئيسها، وليبقى القوة الوحيدة المسيطرة على السلطة ومؤسسات الحكم والدولة. واللافت أن من نتائج ما حدث أخيراً في ماسبيرو، ظهور مطالبات كثيرة بـ”لجنة تقصي حقائق دولية، لأن لا ثقة في شيء وسط المعمعة المصرية الراهنة، لا بالإعلام، ولا بالحكومة، ولا بالجيش ومجلسه العسكري”.